-->

الحياة المسيحية معناها أن تقتدي بالمسيح؟

ليس سر الانتصار الدائم في مجرد الاقتداء بالمسيح، بل في حلول المسيح في القلب.
هل أدركنا هذه الحقيقة وهي إن الحياة المنتصرة لا تعطى تدريجياً، ولا بمجرد جهودنا الشخصية؟. نحن نعلم أن ضبط النفس جزئياً يمكن أن يحصل عليه وقتياً أناس لا يفكرون في إرضاء الله. فالتاجر، يستطيع أن يضبط عواطفه لمجرد إرضاء جمهور المشترين، أو للإحتفاظ بمركزه. وسيدة المجتمع تحتفظ بابتسامتها حتى ولو سكب الشاي على فستانها الجميل. والمؤمن يستطيع أن يدرب نفسه بهذه الكيفية. لكن ليست هذه بالضرورة هي الحياة المنتصرة.
يقيناً إن الإقتداء بالمسيح أمر جميل. لكن هل يمكنك الوصول إليه؟ قد تقول {سأحاول}. لكن الأمر الواقع هو أنه لم ينجح أحد قط في الإقتداء بالمسيح اقتداء مطلقاً.
ماذا يقول الكتاب المقدس عن هذا الموضوع؟ هل لاحظتم أن العهد الجديد لم يطلب منا في أي موضع منه بأن نتمثل بيسوع المسيح، أو نحاول التمثل به، أو نصلي لكي نتمكن من التمثل به؟ أليس الأمر كذلك هذا أمر مذهل.
لكنك قد تسأل: ألم يقل لنا بولس الرسول أن نكون متمثلين بالله؟ نعم، لكنه كان باستمرار يطلب التمثل به في هذه الناحية الواحدة، وهي روح التسامح والصفح عن إساءات الآخرين لنا. (أنظر أف 32:4، 1:5). يمكن لنا، بل يجب علينا، أن نتمثل ببعض تصرفات الرب يسوع المسيح. أما أن نقتدى به في كل شيء فهذا مستحيل. وعلاوة على هذا فإننا عندما نعتقد بأننا نتمثل به ففي الواقع يكون المسيح نفسه هو العامل فينا. إننا يوماً ما سوف نكون مثله، لكن ليس بمجرد أية محاولة من جانبنا للإقتداء به. {ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو}(1 يو 2:3).
لا ضرر من محاولة الاقتداء بالمسيح إن كانت هذه المحاولة لا تخبئ عنا ما يريده ربنا حقاً، وبالتالي إن كانت لا تسبب حرماننا من الحياة الأفضل. فهو يريد أن يأتي بنفسه ليحل في قلوبنا ويحيا فينا. يا له من أمر عجيب. لو كان المسيح قد اكتفى بان يترك لنا مثالاً لنتبعه أو نقتدى به لاستولى علينا اليأس لكنه قال إنه يأتي ويسكن في قلوبنا بالإيمان. لقد لخص الرسول بولس هذا الإمتياز العظيم في عبارة وجيزة، فقال: {لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة} (في 13:2) وكلمة {العامل} تعني انه يعمل بقوة، ويعمل بكيفية فعالة. واذكر ان العامل ليس هو مؤثراً أو قوة روحية، بل هو الله ذاته الساكن في قلب المؤمن.
في بعض الأحيان يحثنا الآخرون بان نمتلك ممتلكاتنا، لكننا بالأحرى نحث كل المؤمنين الحقيقيين بأن يمتلكوا مالكهم، أي الرب يسوع المسيح نفسه، الذي {هو الكل وفي كلكم} (أف 6:4). والواقع إن كلمة {يقتدى} تعني الدخول. وبهذا المعنى يصح الإقتداء، لأننا ندخل في روح المسيح، والمسيح يدخل فينا. وهكذا نستطيع أن نقول مع الرسول بولس: {لأن لي الحياة هي المسيح} (في 21:1)، {المسيح حياتنا} (كو 4:3).
يجب أن نذكر بأن المسيح حال فعلاً في قلب كل مؤمن. لكننا لا يمكن أن تكون لنا الحياة المنتصرة إلا إذا كان هو يمتلك كل القلب، ويملك على كل القلب.
هذا تماماً هو ما يريد ربنا أن يفعله لكل واحد من أولاده فهو لا يقول {اقتدوا بي}، بل يقول: {إسمحوا لي بأن أدخل في كيانكم، وأفكر فيكم أفكاراً طيبة، وأعمل فيكم، وأمكنكم من أن تتموا هذه الأفكار}. فأقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي} (لو 49:24). وهذه القوة هي الروح القدس نفسه، {لأنه ماكث معكم ويكون فيكم} كما قال المسيح (يو 17:14). لذاك تجاسر الرسول بولس فقال: {وأما نحن فلنا فكر المسيح} (1 كو 16:2). وإن كان لنا المسيح، وفينا قوة من الأعالي لإتمام مقاصد ذلك الفكر، فإن {القداسة} تصبح طبيعتنا.
قد تقول في نفسك: {لا شيء جديد في هذا}. هذا صحيح، لكن هل نفذته عملياً؟ إنني أعترف بأنني استمريت سنوات طويلة أقرأ هذا في الكتاب المقدس، وأصدقه، بل وأنادي به في عظاتي. إلى أن جاء اليوم الذي أدركت فيه أنني عاجز عن الإنتصار على خطايا صغيرة، التي أنكرت بها ربي ومخلصي. ألم يكن هنالك شيء أفضل محفوظ لي؟.
عندئذ جثوت على ركبتي، وسلمت نفسي تسليماً كاملاً للمسيح، وببساطة الإيمان طلبت من الرب يسوع المسيح أن يحل في داخلي ويخلصني. وبعد ذلك نهضت، ووثقت بأن الرب يسوع المسيح قد ملأ كل حياتي. أي إنني ببساطة صدقت كلمة الله.
وبكيفية عجيبة أدركت أنني متمتع بالوجود في حضرته. لم أعد بعد أؤمن بأنه مجرد شخصية نلجأ إليها في أوقات الشدة. فإنه قد أتى ليحل في كل قلبي، وملك كل كياني، كل الجسد، والنفس، والروح. لهذا فإن أول فكرة أفتكرها في الصباح، وأرددها طول اليوم، هي {لي الحياة هي المسيح}.
هكذا يحل فينا بكل بساطة. إن قوته التي أقامت يسوع من الأموات تعمل هذا فينا (أف 19:1 و 20). {قوة من الأعالي}.
 القس.جون نور
TAG

عن الكاتب :

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

إذا فرق معك الموضوع ... فلا تحرمنى من أبداء رأيك فى المحتوى حيث يمكنك التعليق بأسم غير مٌعرف..
أذا كنت تريد أن لا تكتب أسمك... اكتب مجهول

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *